اطـــــــــــــــــــلال

اطـــــــــــــــــــلال

صوروغرائب.شعر.اسلامیات.همسات
اطـــــــــــــــــــلال

اطـــــــــــــــــــلال

صوروغرائب.شعر.اسلامیات.همسات

قهوة بطعم الدماء

جیمس هیل 


 قهوة بطعم الدماء 


فی عام 1889، أبحر الشاب الإنجلیزی جیمس هیل عندما کان یبلغ من العمر 18 عاماً فقط إلى أمریکا الوسطى؛ أملاً فی صنع اسم لنفسه. لم یکن یعلم أن أحلامه ستدفعه إلى نشر القهوة العربیة فی العالم (أو Arabica)، وإنشاء إمبراطوریة على حساب شعب جاع فی سبیل ذلک المشروب السحری الأسود.

من الأحیاء الفقیرة فی مانشستر، حط رحال هیل فی السلفادور الغنیة بالأراضی الزراعیة.

نجح على مدى عقود فی مهمته، فبنى إمبراطوریة للقهوة استمرت حتى یومنا هذا، ولکن من خلال خلق ثقافة "إنتاجیة استثنائیة"، کما یصفها المؤرخ أوغسطین سیدجویک فی کتابه Coffeeland.


لکن قصة نجاح هذه الإمبراطوریة لا تخلو من المجازر والضحایا والعنف تحت اسم التطویر؛ وتبین أنها تجسید إضافی لما أنتجته الثورة الصناعیة وبعدها الرأسمالیة فی خلق فرق شاسع بین المصدّر الفقیر والمستهلک الثری

وضع هیل نموذجاً لاقتصاد المزارع على أساس القوة الصناعیة لمانشستر، مما حرم السکان المحلیین من زراعة المحاصیل التی اعتادوها لأجیال، فقضى على جمیع المحاصیل باستثناء القهوة.


أفسحت الأراضی الزراعیة المجتمعیة المجال للمُزارع الإقطاعی الجدید عبر استغلال آلاف المزارعین من السکان الأصلیین.

فزراعة نبتة القهوة تتطلب عملاً یدویاً ضخماً، من الزراعة إلى التقلیم ثم القطف والمعالجة.

بینما کانت مهام الرجال قطف حبوب القهوة، کانت مهام النساء تنظیفها وتنقیتها من الشوائب.

کیف استغنى الناس عن زراعة محاصیل الأرض الموسمیة؟


جوع شعبا کی ینتج القهوة 


والسؤال الأکبر الذی یطرحه أی رأسمالی مستقبلی هو: ما الذی یدفع الناس إلى القبول بهذا العمل المجهد وغیر المربح؟ الجواب بکل بساطة: الجوع.

لکن الشعب السلفادوری لم یکن جائعاً، فمعظمه کان یعتاش من محاصیل الأرض الخصبة والغنیة المحیطة بالبراکین.

فکان على هیل أن یجعل سکان تلک الأراضی جیاعاً، وهو ما نجح فیه.

کیف؟

تحت اسم التطویر، أطلقت الحکومة برنامجاً لخصخصة الأراضی، أجبرت فیه السکان الأصلیین على الابتعاد عن الأراضی الخصبة أو العمل فیها.

یوضح سادجویک أن هیل بهذه السیاسة "أنتج الجوع فی مزارع الشعب السلفادوری التی کانت یوماً مصدر غذائهم واستغنائهم.

فی الفترة الأولى، بقیت الأراضی الزراعیة معطاءة وتنتج المکسرات والفواکه کالبابایا والجوافة والأفوکادو والمانغا وغیرها الکثیر.

لکن خطة خیل کانت فی خلق دیکتاتوریة زراعیة والتحرر من وفرة الأرض، على حد وصف سادجویک، وذلک عبر إقصاء المنتجات الأخرى وخلق ثقافة المحصول الواحد

مُنعت زراعة أی شیء غیر القهوة، ولو ظهرت شجرة أفوکادو بالصدفة فی بقعة ما، کان یتم اتهام أی شخص یتذوق أو یأکل من ثمارها بالسرقة، وأحیاناً یُقتل فوراً..

وهکذا فُرض مبدأ خصخصة الأراضی على سکان الأرض الأصلیین، أو من یُعرفون بالهنود الحمر.

لاحظ هیل أن الجوع کان السر لکسر إرادة شعب السلفادور، کما لاحظ أنَّ دفع الأجور نقداً وبصورة یومیة، کان محفزاً کبیراً للمواطنین على القدوم إلى العمل کل یوم.

خصص 15 سنتاً للنساء و30 سنتاً للرجال، لکنه کان یدفعها بالطعام بدلاً من النقود على صورة إفطار أو غذاء مکون من خبز التورتیلا المحشیة بالحبوب.

تحولت الحِمیة الغذائیة للشعب أحادیة کما محاصیلهم

ثورة تنتهی بمجزرة


فی بدایة الثلاثینیات، شهدت السلفادور ثورة من قِبل مزارعی القهوة استمرت سنتین، لکن الحکومة اتخذت إجراءات قمعیة بحق المزارعین.

تم قتل أی شخص تبدو ملامحه من السکان الأصلیین بالرصاص الحی.

وعُرفت حملة الحکومة ضد عمال القهوة باسم "لا ماتانزا" أو "المذبحة"، وذکراها ما زالت حیة فی الریف السلفادوری.

عندما اندلعت ثورة ثانیة فی السلفادور بعد نصف قرن، کان بارونات القهوة تحت الحصار مرة أخرى.

تم اختطاف حفید جیمس هیل، جایمی هیل، من قِبل المتمردین الذین طالبوا بفدیة قیمتها ملایین الدولارات؛ لم تجد العائلة أی صعوبة فی دفعها.

وهکذا حوَّل هیل آلافاً من المزارعین وأصحاب الأرض إلى عمال بأجر، استخرج بذلک کمیات فائضة من المنتَج الذی أصبح موضع حسد أی صاحب مصنع فی مانشستر

وفی خضم الثورة الصناعیة بأوروبا، اکتشف الرأسمالیون أن هذا المشروب الذی یتطلب فقط ماء مغلیاً یمنح العمال طاقة وحیویة بدلاً من مشروب البیرة، الذی کان یؤدی إلى الدوار والاسترخاء وقلة الإنتاجیة.

أصبحت القهوة المشروب المثالی للیقظة، ونجحت فی تحریر الجسم من إیقاع ساعته البیولوجیة، فانتصر الإنسان على نعاس اللیل والإرهاق، وبدأ یعمل لساعات أطول.

لاءم الکافیین أهداف الثورة الصناعیة وهزم اللیل، لیصبح خلال عقود مشروب الرأسمالیة المفضل.

ماذا حصل لهیل؟


أصبح هیل رئیساً لـ"أربع عشرة عائلة" سیطرت على اقتصاد وسیاسة السلفادور فی معظم القرن العشرین.

فی عام وفاته، أی عام 1951، کانت مزارعه الـ18 توظف نحو 5000 شخص، وأنتجت أکثر من 2000 طن من حبوب البن الجاهزة للتصدیر من أکثر من 2500 فدان من التربة الغنیة على منحدرات برکان سانتا آنا.

#المؤرخ#

نظرات 0 + ارسال نظر
برای نمایش آواتار خود در این وبلاگ در سایت Gravatar.com ثبت نام کنید. (راهنما)
ایمیل شما بعد از ثبت نمایش داده نخواهد شد